احذر أن تكون رأسا في فتنة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
احذر أن تكون رأسا في فتنة
فضيلة الشيخ د.عبدالله المطلق:احذر أن تكون رأسا في فتنة
-الصبر على الجماعة مع ظن الخطأ في الاجتهاد أنفع للأمة من التفرق مع اعتقاد الصواب
-لا يكون الله مع المسلم إلا إذا كان المسلم مع الجماعة
-مفارقة الجماعة كبيرة من الكبائر تنتهي بالخروج من الدين
- من فارق الجماعة شبرا فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه
لزوم جماعة المسلمين من أهم العبادات التي أمر الله بها
الضعف يجعل المسلمين ينشغلون بأنفسهم
متابعة: سليمان الصالح
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
وعضو هيئة كبار العلماء أن اجتماع المسلمين عبادة يحبها الله ويأمر بها وأن المسلم
مأمور بلزوم جماعة المسلمين وطاعة الإمام، مؤكدا ضرورة المحافظة على اجتماع
الكلمة ووحدة الصف خاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن واخترق فيه
الأعداء صفوف الأمة بأباطيلهم وأراجيفهم مستخدمين في ذلك وسائل الاتصال الحديثة
من فضائيات وإنترنت وغيرها.
وحذر الدكتور المطلق من مفارقة الجماعة والخروج عن السلطان وأولياء أمور المسلمين، موضحا أن في ذلك خطورة على المسلم في حياته وبعد مماته، حيث جاءت الأحاديث
الصريحة بأن مفارقة الجماعة من كبائر الذنوب وأن المفارق ينزع ربقة الإسلام من
عنقه ويبوء بسوء الحال والمنقلب.
وقد بدأ فضيلة الدكتور المطلق محاضرته بالتأكيد على أن اجتماع المسلمين تحت قيادة
واحدة يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، يتبعون نظامها ويحرصون أن تسود بينهم
روح الإخاء والمودة، يتناصحون فيما بينهم.. هذا الاجتماع عبادة يحبها الله ويأمر
بها، فالذي يسعى إلى تحقيقها ويجتهد في إرساء قواعدها هو عامل في طاعة الله
تعالى. ولزوم جماعة المسلمين من أهم العبادات التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأكد عليها في
أحاديث كثيرة.. وقد ورد الأمر بها في القرآن الكريم.
ماذا يعني لزوم الجماعة؟
ولكن ما المراد بلزوم جماعة المسلمين؟
بين فضيلة الشيخ د•عبدالله المطلق ذلك بقوله: أن يكون المسلمون جماعة واحدة قيادتهم واحدة، ومنهجهم واحد وهدفهم واحد على ما رسمه لهم قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، يجتمعون فكريا وبدنيا، أفكارهم واحدة، منطلقاتهم واحدة، توجهاتهم واحدة، وهم كذلك في بلدانهم حزب واحد وجماعة واحدة.. وبهذا يكون هؤلاء قد طبقوا ما أمرهم الله تعالى به من الاجتماع والاعتصام بحبل الله تعالى وتكوين جماعة واحدة يظهر فيها الإسلام تطبيقا عمليا يراه الناس.
العزة والقوة في الاجتماع
وقد أمر الله بلزوم جماعة المسلمين لأن في الاجتماع العزة وإظهار المكانة الرفيعة ونفي الضعف الذي يبحث عنه الأعداء ويتلمسونه ويبذلون الأموال الطائلة لإضعاف الأمة الإسلامية.
ومعلوم أن الضعف يشغل المسلمين بأنفسهم عن رسالتهم العظيمة التي هي إنقاذ البشرية ونشر هذا الدين.
لقد انتشرت الفتوحات في زمن عمر بن الخطاب عندما كانت الأمة قوية وكذلك في أول خلافة عثمان بن عفان، ثم لما دب النزاع والخلاف ضعفت الأمة وانشغل المسلمون بأنفسهم عن تبليغ دين الله تعالى بعد أن كانوا متفرغين لنشر هذا النور وإسعاد البشرية به، ووقعت الفتنة ومضى الجيل الأول وهم خير الأجيال، ولا يزال الشيطان ينشر الفتنة إلى الآن وهذه رسالته إلى يوم القيامة قال: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)} [الأعراف].
المملكة نموذج للوحدة والاجتماع
ويؤكد فضيلة الشيخ عبدالله المطلق أن المملكة بعد توحيدها تعد نموذجا للوحدة والاجتماع، فيقول: إن الاجتماع له ثمراته الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وهذا شيء حدثنا به آباؤنا قبل قيام هذه المملكة، فقد كان الأمن قبل التوحيد ضائعا وكل قرية محاطة بسور وكل قرية ترى أنها مملكة مستقلة ووزير خارجيتها شاعر يحب الفخر ويمدح التفرق!
ولما جاء الله بالاجتماع وأذن سبحانه بالتوحيد بعد التفرق ظهرت آثار هذا الاجتماع والوحدة وعشنا في هذا الخير الذي نحن فيه..
وليتنا نتأمل ما قاله العالم العابد عبدالله بن المبارك عندما بين آثار الاجتماع وآثار الافتراق يقول:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يرفع الله بالسلطان مظلمة
في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل
وكان اضعفنا نهبا لأقوانا
وهذا هو الواقع عند حدوث التفرقة.
اجتماع المسلمين عبادة
إذن اجتماع المسلمين عبادة فرضها الله عليهم، كما فرض عليهم سائر العبادات وأدلة فرضها موجودة في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فمما يدل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ...} الآية. وفي الآية دعوة أمر بالاجتماع على طاعة الله التي رسمها كتابه المبين وهو حبل الله تعالى أي اجتمعوا عليه واتحدوا وكونوا عليه يدا واحدة واحذروا التفرق الذي سبق أن ذقتم مرارته {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} [آل عمران: 103]، كانوا في المدينة القرية الصغيرة.. حرب طويلة أكثر من ثلاثين سنة بين الأوس والخزرج فما بالك بغيرها من القرى المجاورة؟ لم يوحدهم إلا الدين ولم يزرع في قلوبهم المودة إلا الإسلام وقد تجسدت مشاعر الإخوة والمودة بين الصحابة رضوان الله عليهم، يأتي عبدالرحمن بن عوف من مكة فينزله الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفا ويؤاخي بينه وبين سعد بن الربيع فيقول سعد لابن عوف عندي زوجتين وعندي أملاك اختر واحدة منهن فاتنازل لك عنها كي تتزوجها وأعطيك شطر مالي. مثل هذه الإخوة التي صنعها ديننا العظيم بعد أن كان هؤلاء قبل الإسلام إذا وجد بعضهم بعضا في الطريق أو البر القوي منهم يسلب الضعيف ويأخذ ماله ويعد ذلك شجاعة تمتدح في نواديهم ويفخر بها شعراؤهم في أسواقهم ومجالسهم• لكن الإسلام جعل مفاخر الجاهلية التي هي السطو وقطع الطريق وغزو الآخر وترويعهم وقتلهم هذه المفاخر عندهم اعتبرها الإسلام مخازي وحاربها ونهى عنها وعاقب أهلها وهو ما نجده في قوله تعالى: {ذلك لهم خزي في الدنيا} في آية الحراب.
ويقول الله تعالى في الاجتماع: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ...} [النساء: 174 - 175] آمنوا بالله واعتصموا بهذا الكتاب وهذا البرهان وإذا اعتصموا بحبل الله الذي هو كتابه زرع الله في قلوبهم المودة وأصبح الواحد منهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه وكانوا يدا واحدة تحت إمام واحد يلزمون به الجماعة ويقيمون به السنة ويطردون به مساوئ الشيطان التي يغرق بها الناس.
أما الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة فمنها ما رواه عمر رضي الله عنه حين خطب المسلمين في الشام في الجابية فقال: "يا أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله " فينا فقال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوبة الجنة فيلزم الجماعة" رواه أحمد والحاكم والترمذي.
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بلزوم الجماعة لأنها في عز المسلمين وصلاحهم ودحر أعدائهم، فالأعداء إذا رأوا المسلمين مجتمعين هابوهم وإذا رأوهم متفرقين فشلوا في أعينهم وزهدوا في حالهم وتسلطوا عليهم..
وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مثل الذئب يأكل من الغنم القاصية وذلك يحدث في الجماعة الكبرى التي هي جماعة المسلمين ويحدث في الجماعة الصغرى وهي الصلاة• فالشيطان يتسلط على المسلم إذا صلى منفردا أكثر مما يتسلط عليه وهو يصلي في جماعة في المسجد وهذا شيء يجده كل مسلم فوسوسة الشيطان تكون أكثر على المسلم إذا صلى وحده وانتباهه في صلاته يقل لعظم تسلط الشيطان.
دعاة الفرقة والشقاق
فالشيطان على الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن الجماعة أكثر بعدا، وروى حذيفة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.. لأن الدعاة قسمان: قسم يدعون إلى الجنة، وقسم يدعون إلى النار. والله تعالى يقول عن القسم الأول: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} [السجدة: 24]، ويقول عن القسم الثاني:{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [القصص: 41]، يدعون بأفعالهم وبأقوالهم ودعاة النار هم دعاة فرقة وشقاق.
التفرق الفكري أشر
ويؤكد فضيلة الشيخ د.المطلق أن التفرق الفكري أشر من التفرق البدني ويبين ذلك بقوله: إن التفرق الفكري هو الذي يأتي بالنوع الخبيث من التفرق البدني، فالتفرق الفكري يبعد عن الحق، والله جل وعلا ذم تفرق أهل الكتاب وبين " أنهم افترقوا على إحدى وسبعين فرقة واثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الفرق ضلال وانحراف إلا من لزم جادة الحق وتمسك بهدي رسول الله "، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوها فيها، قال حذيفة رضي الله عنه: صفهم لنا يا رسول الله، قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قال حذيفة رضي الله عنه: فما ترى يا رسول الله إن أدركني ذلك، قال ": تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" متفق عليه.
التفرق سبب للهلاك
وبين لنا ربنا جل وعلا أن التفرق سبب للهلاك في الدنيا والآخرة وحذر المسلمين منه بعد أن أمرهم بالاعتصام والاجتماع فقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105)} [آل عمران]..
هناك أناس يحبون التفرق ويفرحون بما عندهم من العلم ويحب أحدهم أن يكون رأسا في فتنة، نسأل الله العافية والسلامة، وهؤلاء يقول الله فيهم: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيءُ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون (159)} [الأنعام].
وحين يذكر القرآن التفرق يبين لنا أنه سبب الفشل يقول جل وعلا: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (46)} [الأنفال]. وآخر هذه الآية حقيق أن نقف عنده ونتدبره لماذا لأن كثيرا من الناس عندما يختلف مع الآخرين ويظن أن الحق معه يأبى أن يستجيب للجماعة وأن يلزمها لأن الشيطان يفهمه أن الحق معه وأن الآخرين على الخطأ فيعلن منابذتهم وينفرد منهم ولهذا وأمثاله قال الله: {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46]، يعني إن كنت تظن على أنك على صواب اصبر والتزم الجماعة لأن الذين يحصل له مراده لا يقال له اصبر إنما يقال اصبر للذي يظن أنه لا يحصل له مراده ولهذا عليه أن يصبر وإن كان يظن أن ما يوصله إلى النزاع هو الصواب..
لزوم الجماعة آكد من التفرق ولو اعتقد أن الصواب عنده ولهذا قال تعالى في هذه الآية: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما هذا الحديث العظيم "بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا" أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالتطاوع يعني أن يكون الإنسان طوع أخيه لأن الصبر على الجماعة مع ظن الخطأ في الاجتهاد أنفع للأمة من التفرق مع اعتقاد الصواب في الاجتهاد، فعلى المسلم أن يصبر على لزوم جماعة المسلمين ولا يكون الله مع المسلم إلا إذا صبر على لزوم الجماعة وكان لبنة في هذا البناء العظيم وعضوا صالحا في هذا الجسد الذي يمثل الإسلام.
لقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من مفارقة الجماعة وبين أنه كبيرة عظيمة تنتهي بالخروج من الدين يقول صلى الله عليه وسلم : "من فارق الجماعة شبرا فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه" رواه أحمد وأبو داود.
تنخلع ربقة الإسلام وحبل الإسلام من عنقه بالمفارقة شبر فما بالكم بالذي يفارق الجماعة كيلومترات والذي يتوجه إلى الغرب أو الشرق يلتمس عندهم حياة فاضلة ونصرة لمبادئه التي يعتقد أن فيها الخير والصلاح هذا في حال الحياة وبعد الموت يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية" متفق عليه، في هذا الحديث ينبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يراه بعض الناس عذرا في مفارقة الجماعة عندما يقع عليه ظلم بين أو يقع على غيره ظلم فيرى أن هذا الظلم مبرر للخروج.
وقد روى الخلال في كتاب السُنة عن أبي حارث الصانع أنه سأل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن أمر كان في بغداد من الخليفة أغضب الناس فهم قوم بالخروج فأنكر عليهم الإمام أحمد إنكارا شديدا وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا أمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، الفتنة يسفك فيها الدماء وتستباح الأموال وتنتهك المحارم فقال له أبو الحارث يا إمام: ألسنا في فتنة؟ فقال الإمام أحمد: نحن في فتنة خاصة وما نخشى منه بالخروج فتنة عامة تضيع فيها سبل المسلمين وتهدر بها دماؤهم وتستباح بها أموالهم.
حكم الإسلام في المفارقة
وتحدث فضيلة الشيخ المطلق عن حكم الإسلام في المفارقة للجماعة مبينا أن المفارقة للجماعة هو واحد من الثلاثة الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر من سوء حالهم وسوء منقلبهم• فقد روى فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم، رجل فارق الجماعة وعصى إمامهم ومات عاصيا، وأمة أو عبد آبق فمات وهو آبق، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم" رواه أحمد والحاكم.. ومعنى لا تسأل عنهم يعني لا تسأل عن سوء حالهم وسوء منقلبهم وعاقبتهم. لماذا لأن هؤلاء لم يقوموا بالمسؤولية التي وجبت عليهم وتنكروا للنعمة التي أسديت وفيما يتعلق بالأول فارق الجماعة ونعمة الجماعة كما بينا نعمة عظيمة {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ...} [آل عمران: 103]، فهذا المفارق أنكر هذه النعمة وخرج على الإمام وفرق كلمة المسلمين ومات عاصيا على ذلك، فهل للمفارق حد في الدنيا؟ روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه مسلم. فمفارقة الجماعة في إحلال عصمة المسلم التي حفظها الله تعالى له وحرم على غيره أن يهتكها وأوجب على الأمة الإسلامية احترامها فإذا فارق الجماعة ودعا إلى الفرقة زالت عنه هذه العصمة وحل دمه بهذا الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واجبنا تجاه وحدة المسلمين
وبين فضيلة الشيخ د•عبدالله المطلق واجب المسلمين تجاه عباده والاجتماع ووحدة المسلمين، مؤكدا أن هذه الوحدة هي وحدة قلوب ووحدة أبدان ووحدة أفكار.
الواجب الأول: المحافظة على هذه الوحدة والاجتماع وألا نترك لأحد أن يخترقها خاصة في هذا العصر الذي اخترق فيه الأعداء البيوت لمدة أربعة وعشرين ساعة من خلال القنوات الفضائية والمذياع والصحف والجوال والإنترت وغير ذلك، فواجب المسلمين تجاه هذا الغزو الذي استفحل وانتشر.
فرقة ضالة تثير الفتنة بين المسلمين
ويقول الشيخ المطلق إن الأمر بلغ من الخطورة أن الإنترنت يستخدم الآن كوسيلة لإثارة الفتنة بين المسلمين عن طريق بث أخبار كاذبة وملفقة، فقد حدثني من أثق به أنه بعد البحث والتحري وجد أحد هؤلاء الذين يثيرون الفتنة باستخدام الإنترنت ويفسدون قلوب المسلمين على حكامهم وعلمائهم يهودي في إسرائيل يجيد العربية وهو أستاذ جامعة ومتخصص في دراسة الأشخاص والعلاقات الاجتماعية ويبث الأخبار من خلال مكتب يملكه والناس بكل أسف يصدقون كثير من هذه الأخبار مع كذبها وعدم صحتها.
فرقة ضالة يكتبون باسم أهل السُنة
ووجد من خلال الإنترنت فرقة ضالة في دولة مجاورة يكتبون باسم أهل السُنة والجماعة وبذلك يفسدون بين المسلمين ويقولون بلسان أهل السُنة والجماعة ما لم يصدر عن أحد منهم وينشرون ما يفرق كلمة المسلمين من الأباطيل والإشاعات. وقد قال الله في أمثال هؤلاء: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} [النساء: 83] وبعض قال الله فيهم أيضا: {وفيكم سماعون لهم} [التوبة: 47] سماعون للمنافقين سامعون للمرجفين قليل من المسلمين من يقف على أرض الحق الثابتة ويدحض جميع ما يقال من الأباطيل ولا يسمع في أخيه المسلم مثل ما لا يرضى أن يسمع في أخيه من النسب•• فكيف يسمع ويصدق المسلم ما يقال في علمائه وحكامه؟
المرجفون يفسدون في الأرض ولا يصلحون ويهدفون إلى تمزيق الأمة وتفريق القلوب..
يجب علينا أن نعرف مكائد الأعداء ومنافذ دخولهم إلى شبابنا وأبنائنا وبناتنا من خلال الإنترنت والقنوات الفضائية والمجلات والصحف وغيرها، لأن رد وسائل التفرق الفكري هو رد لوسائل التفرق الجسدي، والحصن الأول للأمة حماية عقول أبنائها وأفكارها مما يفسد على يد الأعداء واقرأوا التاريخ لتعرفوا أن أول من فرق المسلمين في عهد عثمان رضي الله عنه هو عبدالله بن سبأ ..
واختتم فضيلة الشيخ المطلق محاضرته بالتأكيد على أن كل منا تقع عليه المسؤولية في حماية الأمة من خلال جماعته وأهله وأبنائه واخوانه.. فكل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام في بيته وفي مدرسته، في عمله، في استراحته، في مجالسه مع جماعته يحرص على ألا يؤتى الإسلام من قبله..
ولا بد أن يمتثل المسلمون قول الله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
-الصبر على الجماعة مع ظن الخطأ في الاجتهاد أنفع للأمة من التفرق مع اعتقاد الصواب
-لا يكون الله مع المسلم إلا إذا كان المسلم مع الجماعة
-مفارقة الجماعة كبيرة من الكبائر تنتهي بالخروج من الدين
- من فارق الجماعة شبرا فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه
لزوم جماعة المسلمين من أهم العبادات التي أمر الله بها
الضعف يجعل المسلمين ينشغلون بأنفسهم
متابعة: سليمان الصالح
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
وعضو هيئة كبار العلماء أن اجتماع المسلمين عبادة يحبها الله ويأمر بها وأن المسلم
مأمور بلزوم جماعة المسلمين وطاعة الإمام، مؤكدا ضرورة المحافظة على اجتماع
الكلمة ووحدة الصف خاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن واخترق فيه
الأعداء صفوف الأمة بأباطيلهم وأراجيفهم مستخدمين في ذلك وسائل الاتصال الحديثة
من فضائيات وإنترنت وغيرها.
وحذر الدكتور المطلق من مفارقة الجماعة والخروج عن السلطان وأولياء أمور المسلمين، موضحا أن في ذلك خطورة على المسلم في حياته وبعد مماته، حيث جاءت الأحاديث
الصريحة بأن مفارقة الجماعة من كبائر الذنوب وأن المفارق ينزع ربقة الإسلام من
عنقه ويبوء بسوء الحال والمنقلب.
وقد بدأ فضيلة الدكتور المطلق محاضرته بالتأكيد على أن اجتماع المسلمين تحت قيادة
واحدة يأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، يتبعون نظامها ويحرصون أن تسود بينهم
روح الإخاء والمودة، يتناصحون فيما بينهم.. هذا الاجتماع عبادة يحبها الله ويأمر
بها، فالذي يسعى إلى تحقيقها ويجتهد في إرساء قواعدها هو عامل في طاعة الله
تعالى. ولزوم جماعة المسلمين من أهم العبادات التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأكد عليها في
أحاديث كثيرة.. وقد ورد الأمر بها في القرآن الكريم.
ماذا يعني لزوم الجماعة؟
ولكن ما المراد بلزوم جماعة المسلمين؟
بين فضيلة الشيخ د•عبدالله المطلق ذلك بقوله: أن يكون المسلمون جماعة واحدة قيادتهم واحدة، ومنهجهم واحد وهدفهم واحد على ما رسمه لهم قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، يجتمعون فكريا وبدنيا، أفكارهم واحدة، منطلقاتهم واحدة، توجهاتهم واحدة، وهم كذلك في بلدانهم حزب واحد وجماعة واحدة.. وبهذا يكون هؤلاء قد طبقوا ما أمرهم الله تعالى به من الاجتماع والاعتصام بحبل الله تعالى وتكوين جماعة واحدة يظهر فيها الإسلام تطبيقا عمليا يراه الناس.
العزة والقوة في الاجتماع
وقد أمر الله بلزوم جماعة المسلمين لأن في الاجتماع العزة وإظهار المكانة الرفيعة ونفي الضعف الذي يبحث عنه الأعداء ويتلمسونه ويبذلون الأموال الطائلة لإضعاف الأمة الإسلامية.
ومعلوم أن الضعف يشغل المسلمين بأنفسهم عن رسالتهم العظيمة التي هي إنقاذ البشرية ونشر هذا الدين.
لقد انتشرت الفتوحات في زمن عمر بن الخطاب عندما كانت الأمة قوية وكذلك في أول خلافة عثمان بن عفان، ثم لما دب النزاع والخلاف ضعفت الأمة وانشغل المسلمون بأنفسهم عن تبليغ دين الله تعالى بعد أن كانوا متفرغين لنشر هذا النور وإسعاد البشرية به، ووقعت الفتنة ومضى الجيل الأول وهم خير الأجيال، ولا يزال الشيطان ينشر الفتنة إلى الآن وهذه رسالته إلى يوم القيامة قال: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)} [الأعراف].
المملكة نموذج للوحدة والاجتماع
ويؤكد فضيلة الشيخ عبدالله المطلق أن المملكة بعد توحيدها تعد نموذجا للوحدة والاجتماع، فيقول: إن الاجتماع له ثمراته الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وهذا شيء حدثنا به آباؤنا قبل قيام هذه المملكة، فقد كان الأمن قبل التوحيد ضائعا وكل قرية محاطة بسور وكل قرية ترى أنها مملكة مستقلة ووزير خارجيتها شاعر يحب الفخر ويمدح التفرق!
ولما جاء الله بالاجتماع وأذن سبحانه بالتوحيد بعد التفرق ظهرت آثار هذا الاجتماع والوحدة وعشنا في هذا الخير الذي نحن فيه..
وليتنا نتأمل ما قاله العالم العابد عبدالله بن المبارك عندما بين آثار الاجتماع وآثار الافتراق يقول:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يرفع الله بالسلطان مظلمة
في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل
وكان اضعفنا نهبا لأقوانا
وهذا هو الواقع عند حدوث التفرقة.
اجتماع المسلمين عبادة
إذن اجتماع المسلمين عبادة فرضها الله عليهم، كما فرض عليهم سائر العبادات وأدلة فرضها موجودة في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فمما يدل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ...} الآية. وفي الآية دعوة أمر بالاجتماع على طاعة الله التي رسمها كتابه المبين وهو حبل الله تعالى أي اجتمعوا عليه واتحدوا وكونوا عليه يدا واحدة واحذروا التفرق الذي سبق أن ذقتم مرارته {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} [آل عمران: 103]، كانوا في المدينة القرية الصغيرة.. حرب طويلة أكثر من ثلاثين سنة بين الأوس والخزرج فما بالك بغيرها من القرى المجاورة؟ لم يوحدهم إلا الدين ولم يزرع في قلوبهم المودة إلا الإسلام وقد تجسدت مشاعر الإخوة والمودة بين الصحابة رضوان الله عليهم، يأتي عبدالرحمن بن عوف من مكة فينزله الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفا ويؤاخي بينه وبين سعد بن الربيع فيقول سعد لابن عوف عندي زوجتين وعندي أملاك اختر واحدة منهن فاتنازل لك عنها كي تتزوجها وأعطيك شطر مالي. مثل هذه الإخوة التي صنعها ديننا العظيم بعد أن كان هؤلاء قبل الإسلام إذا وجد بعضهم بعضا في الطريق أو البر القوي منهم يسلب الضعيف ويأخذ ماله ويعد ذلك شجاعة تمتدح في نواديهم ويفخر بها شعراؤهم في أسواقهم ومجالسهم• لكن الإسلام جعل مفاخر الجاهلية التي هي السطو وقطع الطريق وغزو الآخر وترويعهم وقتلهم هذه المفاخر عندهم اعتبرها الإسلام مخازي وحاربها ونهى عنها وعاقب أهلها وهو ما نجده في قوله تعالى: {ذلك لهم خزي في الدنيا} في آية الحراب.
ويقول الله تعالى في الاجتماع: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ...} [النساء: 174 - 175] آمنوا بالله واعتصموا بهذا الكتاب وهذا البرهان وإذا اعتصموا بحبل الله الذي هو كتابه زرع الله في قلوبهم المودة وأصبح الواحد منهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه وكانوا يدا واحدة تحت إمام واحد يلزمون به الجماعة ويقيمون به السنة ويطردون به مساوئ الشيطان التي يغرق بها الناس.
أما الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة فمنها ما رواه عمر رضي الله عنه حين خطب المسلمين في الشام في الجابية فقال: "يا أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله " فينا فقال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوبة الجنة فيلزم الجماعة" رواه أحمد والحاكم والترمذي.
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بلزوم الجماعة لأنها في عز المسلمين وصلاحهم ودحر أعدائهم، فالأعداء إذا رأوا المسلمين مجتمعين هابوهم وإذا رأوهم متفرقين فشلوا في أعينهم وزهدوا في حالهم وتسلطوا عليهم..
وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مثل الذئب يأكل من الغنم القاصية وذلك يحدث في الجماعة الكبرى التي هي جماعة المسلمين ويحدث في الجماعة الصغرى وهي الصلاة• فالشيطان يتسلط على المسلم إذا صلى منفردا أكثر مما يتسلط عليه وهو يصلي في جماعة في المسجد وهذا شيء يجده كل مسلم فوسوسة الشيطان تكون أكثر على المسلم إذا صلى وحده وانتباهه في صلاته يقل لعظم تسلط الشيطان.
دعاة الفرقة والشقاق
فالشيطان على الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن الجماعة أكثر بعدا، وروى حذيفة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.. لأن الدعاة قسمان: قسم يدعون إلى الجنة، وقسم يدعون إلى النار. والله تعالى يقول عن القسم الأول: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} [السجدة: 24]، ويقول عن القسم الثاني:{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [القصص: 41]، يدعون بأفعالهم وبأقوالهم ودعاة النار هم دعاة فرقة وشقاق.
التفرق الفكري أشر
ويؤكد فضيلة الشيخ د.المطلق أن التفرق الفكري أشر من التفرق البدني ويبين ذلك بقوله: إن التفرق الفكري هو الذي يأتي بالنوع الخبيث من التفرق البدني، فالتفرق الفكري يبعد عن الحق، والله جل وعلا ذم تفرق أهل الكتاب وبين " أنهم افترقوا على إحدى وسبعين فرقة واثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الفرق ضلال وانحراف إلا من لزم جادة الحق وتمسك بهدي رسول الله "، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوها فيها، قال حذيفة رضي الله عنه: صفهم لنا يا رسول الله، قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قال حذيفة رضي الله عنه: فما ترى يا رسول الله إن أدركني ذلك، قال ": تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" متفق عليه.
التفرق سبب للهلاك
وبين لنا ربنا جل وعلا أن التفرق سبب للهلاك في الدنيا والآخرة وحذر المسلمين منه بعد أن أمرهم بالاعتصام والاجتماع فقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105)} [آل عمران]..
هناك أناس يحبون التفرق ويفرحون بما عندهم من العلم ويحب أحدهم أن يكون رأسا في فتنة، نسأل الله العافية والسلامة، وهؤلاء يقول الله فيهم: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيءُ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون (159)} [الأنعام].
وحين يذكر القرآن التفرق يبين لنا أنه سبب الفشل يقول جل وعلا: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (46)} [الأنفال]. وآخر هذه الآية حقيق أن نقف عنده ونتدبره لماذا لأن كثيرا من الناس عندما يختلف مع الآخرين ويظن أن الحق معه يأبى أن يستجيب للجماعة وأن يلزمها لأن الشيطان يفهمه أن الحق معه وأن الآخرين على الخطأ فيعلن منابذتهم وينفرد منهم ولهذا وأمثاله قال الله: {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46]، يعني إن كنت تظن على أنك على صواب اصبر والتزم الجماعة لأن الذين يحصل له مراده لا يقال له اصبر إنما يقال اصبر للذي يظن أنه لا يحصل له مراده ولهذا عليه أن يصبر وإن كان يظن أن ما يوصله إلى النزاع هو الصواب..
لزوم الجماعة آكد من التفرق ولو اعتقد أن الصواب عنده ولهذا قال تعالى في هذه الآية: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما هذا الحديث العظيم "بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا" أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالتطاوع يعني أن يكون الإنسان طوع أخيه لأن الصبر على الجماعة مع ظن الخطأ في الاجتهاد أنفع للأمة من التفرق مع اعتقاد الصواب في الاجتهاد، فعلى المسلم أن يصبر على لزوم جماعة المسلمين ولا يكون الله مع المسلم إلا إذا صبر على لزوم الجماعة وكان لبنة في هذا البناء العظيم وعضوا صالحا في هذا الجسد الذي يمثل الإسلام.
لقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من مفارقة الجماعة وبين أنه كبيرة عظيمة تنتهي بالخروج من الدين يقول صلى الله عليه وسلم : "من فارق الجماعة شبرا فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه" رواه أحمد وأبو داود.
تنخلع ربقة الإسلام وحبل الإسلام من عنقه بالمفارقة شبر فما بالكم بالذي يفارق الجماعة كيلومترات والذي يتوجه إلى الغرب أو الشرق يلتمس عندهم حياة فاضلة ونصرة لمبادئه التي يعتقد أن فيها الخير والصلاح هذا في حال الحياة وبعد الموت يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية" متفق عليه، في هذا الحديث ينبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يراه بعض الناس عذرا في مفارقة الجماعة عندما يقع عليه ظلم بين أو يقع على غيره ظلم فيرى أن هذا الظلم مبرر للخروج.
وقد روى الخلال في كتاب السُنة عن أبي حارث الصانع أنه سأل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن أمر كان في بغداد من الخليفة أغضب الناس فهم قوم بالخروج فأنكر عليهم الإمام أحمد إنكارا شديدا وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا أمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، الفتنة يسفك فيها الدماء وتستباح الأموال وتنتهك المحارم فقال له أبو الحارث يا إمام: ألسنا في فتنة؟ فقال الإمام أحمد: نحن في فتنة خاصة وما نخشى منه بالخروج فتنة عامة تضيع فيها سبل المسلمين وتهدر بها دماؤهم وتستباح بها أموالهم.
حكم الإسلام في المفارقة
وتحدث فضيلة الشيخ المطلق عن حكم الإسلام في المفارقة للجماعة مبينا أن المفارقة للجماعة هو واحد من الثلاثة الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر من سوء حالهم وسوء منقلبهم• فقد روى فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم، رجل فارق الجماعة وعصى إمامهم ومات عاصيا، وأمة أو عبد آبق فمات وهو آبق، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم" رواه أحمد والحاكم.. ومعنى لا تسأل عنهم يعني لا تسأل عن سوء حالهم وسوء منقلبهم وعاقبتهم. لماذا لأن هؤلاء لم يقوموا بالمسؤولية التي وجبت عليهم وتنكروا للنعمة التي أسديت وفيما يتعلق بالأول فارق الجماعة ونعمة الجماعة كما بينا نعمة عظيمة {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ...} [آل عمران: 103]، فهذا المفارق أنكر هذه النعمة وخرج على الإمام وفرق كلمة المسلمين ومات عاصيا على ذلك، فهل للمفارق حد في الدنيا؟ روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه مسلم. فمفارقة الجماعة في إحلال عصمة المسلم التي حفظها الله تعالى له وحرم على غيره أن يهتكها وأوجب على الأمة الإسلامية احترامها فإذا فارق الجماعة ودعا إلى الفرقة زالت عنه هذه العصمة وحل دمه بهذا الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واجبنا تجاه وحدة المسلمين
وبين فضيلة الشيخ د•عبدالله المطلق واجب المسلمين تجاه عباده والاجتماع ووحدة المسلمين، مؤكدا أن هذه الوحدة هي وحدة قلوب ووحدة أبدان ووحدة أفكار.
الواجب الأول: المحافظة على هذه الوحدة والاجتماع وألا نترك لأحد أن يخترقها خاصة في هذا العصر الذي اخترق فيه الأعداء البيوت لمدة أربعة وعشرين ساعة من خلال القنوات الفضائية والمذياع والصحف والجوال والإنترت وغير ذلك، فواجب المسلمين تجاه هذا الغزو الذي استفحل وانتشر.
فرقة ضالة تثير الفتنة بين المسلمين
ويقول الشيخ المطلق إن الأمر بلغ من الخطورة أن الإنترنت يستخدم الآن كوسيلة لإثارة الفتنة بين المسلمين عن طريق بث أخبار كاذبة وملفقة، فقد حدثني من أثق به أنه بعد البحث والتحري وجد أحد هؤلاء الذين يثيرون الفتنة باستخدام الإنترنت ويفسدون قلوب المسلمين على حكامهم وعلمائهم يهودي في إسرائيل يجيد العربية وهو أستاذ جامعة ومتخصص في دراسة الأشخاص والعلاقات الاجتماعية ويبث الأخبار من خلال مكتب يملكه والناس بكل أسف يصدقون كثير من هذه الأخبار مع كذبها وعدم صحتها.
فرقة ضالة يكتبون باسم أهل السُنة
ووجد من خلال الإنترنت فرقة ضالة في دولة مجاورة يكتبون باسم أهل السُنة والجماعة وبذلك يفسدون بين المسلمين ويقولون بلسان أهل السُنة والجماعة ما لم يصدر عن أحد منهم وينشرون ما يفرق كلمة المسلمين من الأباطيل والإشاعات. وقد قال الله في أمثال هؤلاء: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} [النساء: 83] وبعض قال الله فيهم أيضا: {وفيكم سماعون لهم} [التوبة: 47] سماعون للمنافقين سامعون للمرجفين قليل من المسلمين من يقف على أرض الحق الثابتة ويدحض جميع ما يقال من الأباطيل ولا يسمع في أخيه المسلم مثل ما لا يرضى أن يسمع في أخيه من النسب•• فكيف يسمع ويصدق المسلم ما يقال في علمائه وحكامه؟
المرجفون يفسدون في الأرض ولا يصلحون ويهدفون إلى تمزيق الأمة وتفريق القلوب..
يجب علينا أن نعرف مكائد الأعداء ومنافذ دخولهم إلى شبابنا وأبنائنا وبناتنا من خلال الإنترنت والقنوات الفضائية والمجلات والصحف وغيرها، لأن رد وسائل التفرق الفكري هو رد لوسائل التفرق الجسدي، والحصن الأول للأمة حماية عقول أبنائها وأفكارها مما يفسد على يد الأعداء واقرأوا التاريخ لتعرفوا أن أول من فرق المسلمين في عهد عثمان رضي الله عنه هو عبدالله بن سبأ ..
واختتم فضيلة الشيخ المطلق محاضرته بالتأكيد على أن كل منا تقع عليه المسؤولية في حماية الأمة من خلال جماعته وأهله وأبنائه واخوانه.. فكل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام في بيته وفي مدرسته، في عمله، في استراحته، في مجالسه مع جماعته يحرص على ألا يؤتى الإسلام من قبله..
ولا بد أن يمتثل المسلمون قول الله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
علاء أشرف- عضو فعال
- عدد المساهمات : 146
تاريخ التسجيل : 01/12/2009
العمر : 31
السويفى- مدير المنتدى
- عدد المساهمات : 283
تاريخ التسجيل : 27/08/2009
الموقع : elsoifey1.tk
السويفى- مدير المنتدى
- عدد المساهمات : 283
تاريخ التسجيل : 27/08/2009
الموقع : elsoifey1.tk
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى